تكتيكات إسرائيلية جديدة في هجوم غزة لتجاوز عثرات حرب تموز
سطوف عبد الباسط في الثلاثاء يناير 06, 2009 1:38 pm
التعتيم على الأهداف والإعداد للمعركة
تكتيكات إسرائيلية جديدة في هجوم غزة لتجاوز عثرات حرب تموز
حرب الأهداف المفتوحة
تسعى إسرائيل في حربها على غزة إلى استخلاص العبر من أدائها العسكري الهزيل في حرب يوليو/تموز 2006 مع حزب الله اللبناني، وإلى العمل على استعادة هيبة الجيش. ورغم أن خوض المعركة أمام مجموعة من المقاتلين محدودي التسليح لا يمثل بالفعل اختبارا حقيقيا للأداء الذي بدا متدهورا قبل عامين وأثار عاصفة من الانتقادات بالداخل، إلأ أن إسرائيل تنتهج مجموعة من التكتيكات التي تتيح لها تجاوز عثراتها السابقة.
فلم تعلن إسرائيل هدفا كبيرا أو واضحا لحرب غزة حتى لا يتعرض الجيش للمحاسبة حال العجز عن تحقيقه، ولذا ظل الهدف الغامض المعلن هو القضاء على خطر الصواريخ، وبدا الهدف الفعلي على اسحياء وهو القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وإلى ذلك، عمدت إسرائيل إلى الإعداد للمعركة عسكريا وإعلاميا، واختيار توقيت ومكان المعركة، فضلا عن تنفيذ أساليب تمويه وخداع سياسية وعسكرية قبل بدء الهجوم.
هذه الرؤية طرحها الكاتب المصري د. محمد السعيد إدريس في مقال بعنوان "حرب الأهداف المفتوحة" ونشرته صحيفة "الأهرام" المصرية الثلاثاء 6-1-2009. وفيما يلي نص المقال.
حرب الأهداف المفتوحة
على مدي العامين الماضيين, أي منذ الانتهاء الفعلي للحرب التي شنتها إسرائيل علي لبنان صيف2006 دأب الإسرائيليون علي استخلاص الدروس وشكلوا لجانا للتحقيق في أسباب الفشل, وإذا كانت تلك اللجان قد أدانت القيادات السياسية والعسكرية واتهمتها بالتقصير في أداء المهمة وتحقيق الأهداف, فإن الإدانات والاتهامات قد توارت في حين اكتسبت مهمة استخلاص الدروس وتفادي الاخطاء كل الأولوية, وعلي الأخص منذ أن تبوأ ايهود باراك مجددا زعامة حزب العمل ودخل حكومة أولمرت وزيرا للدفاع, حيث تعهد بتحقيق هدفين: تصحيح الأخطاء, واستعادة الهيبة للجيش الإسرائيلي, والذين تابعوا أداء باراك, علي الأقل خلال السنة المنصرمة, كان في مقدورهم إدراك أنه بات في حاجة إلي حرب يختبر فيها مدي الكفاءة التي تحققت في أداء الجيش ومدي استعادته مجددا للقدرة والرغبة في القتال. وجاءت الحرب الإسرائيلية الحالية علي قطاع غزة لتؤكد أن القيادة السياسية والعسكرية للدولة الإسرائيلية تعلمت واستوعبت الكثير من دروس حرب صيف2006 ضد لبنان, لكن الحكم علي كفاءة هذا الاستيعاب يصعب تأكيده الآن,
أولا لأن الحرب لم تنته بعد فهي مازالت حربا من طرف واحد هو الطرف الإسرائيلي الذي مازال يخوض الحرب من الجو ومن البحر مع عدو لا يملك هذه الامكانيات, وثانيا لأن حربا إسرائيلية علي قطاع غزة وحركة المقاومة الإسلامية حماس ليست هي الحرب التي يمكن أن تكون اختبارا حقيقيا للقدرة القتالية العسكرية, فالحركة لا تملك قوات عسكرية مدربة وليست لديها أسلحة حقيقية, لأنها ليست إلا حركة مقاومة اقصي ما تقدر عليه هو حرب العصابات وفق قاعدة اضرب واهرب والأهم من ذلك أن غزة ظلت محاصرة من جميع المعابر التي كانت تخضع لاجراءات تفتيش دقيقة ومعقدة لمنع دخول أسلحة باستثناء بعض قطع الاسلحة والصواريخ التي تم تفكيكها وتهريبها عبر انفاق غالبا ماكانت تتعرض للتدمير.
أول الدروس التي تعلمها الإسرائيليون من حرب صيف2006 ضد لبنان, وحاولوا تجنبها في حربهم الحالية ضد قطاع غزة وحركة حماس هو إعطاء كل الأولوية للأسلحة الجوية والبحرية التي يجب أن تواصل القصف المكثف والعنيف لتدمير كل الأهداف المرصودة استخباريا كمواقع مؤثرة عسكرية كانت أو سياسية أو لوجستية تابعة لحركة حماس ومن بينها المستشفيات والتحسب الشديد لأي مواجهات برية, أو علي الأقل استخدامها في اللحظات الختامية للحرب بعد التأكد من افتقاد المقاومين القدرة علي المواجهة, وأن الدخول إلي عمق القطاع أضحي مأمونا تماما. لقد ظل الحديث عن الحشود البرية المحيطة بالقطاع واستدعاء الآلاف من قوات الاحتياط محصورا في دائرة الحرب النفسية وأداة من أدوات إدارة الصراع السياسي حول شروط إنهاء الحرب, إلي أن حسم الإسرائيليون موقفهم ودفعوا بقواتهم البرية نحو قطاع غزة, بهدف تدمير مالم تستطع القوات الجوية والبحرية تدميره واغتيال من لم تستطع هذه القوات اغتياله, وربما يهدفون أيضا إلي اعتقال من يستطيعون اعتقاله من قادة وكوادر حركة حماس, لكن هدف العودة إلي خيار احتلال قطاع غزة كاملا لن يكون واردا لضخامة همومه وتعقيداته, لكن ربما يحرص الاسرائيليون علي احتلال الشريط الحدودي الممتد بين الحدود المصرية وقطاع غزة لاستعادة السيطرة علي المعابر وجعل قطاع غزة بدون أي منفذ عربي ووضعه في كماشة إسرائيلية من جميع الاتجاهات باستثناء البحر المغلق أمام الحركة والشعب الفلسطيني بالبحرية الإسرائيلية.
أما الدرس الثاني فهو تجنب وصول أي تهديد إلي الجبهة الداخلية الإسرائيلية والحرص الشديد علي تماسك هذه الجبهة حول قرار الحرب ودعمه, فقد حدث الانهيار العسكري الإسرائيلي المعنوي في حرب صيف2006 نتيجة لانهيار الجبهة الداخلية, وانهارت الجبهة الداخلية بعد اليقين من إدراك حجم الخسائر البشرية في صفوف القوات الإسرائيلية المقاتلة, ثم بعد تعرض العمق الإسرائيلي للضرب المباشر بصواريخ حزب الله التي وصلت إلي حيفا وكادت تتجاوزها إلي تل أبيب. باراك أدرك مبكرا هذه الحقيقة وسبق أن صرح لصحيفة يديعوت أحرونوت بأن إسرائيل لا تريد الحرب ولكنها إذا فرضت عليها فسوف تخوضها شرط أن تكون حربا سريعة وخاطفة, وأن تحدد إسرائيل توقيتها, وأن تكون علي أرض العدو, وألا يمتد خطرها إلي الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
في هذه المرة يخوض الإسرائيليون الحرب مع قطاع غزة, أي علي أرض العدو, وفي التوقيت الذي أرادوه وخططوا له وهم علي يقين بأن حركة حماس لن تستطيع أن تصل إلي العمق السكاني الإسرائيلي نظرا لأن المسافة الشاسعة التي تفصل بين القطاع وذلك العمق تستوعب كل القدرات العسكرية البسيطة لدي حركة حماس, فصواريخ حماس لن تصل إلي العمق الإسرائيلي, لكن كانت المفاجأة أن صواريخ جراد تجاوزت مسافة الـ40 كيلو مترا وبدأت تصل إلي أهم مدن جنوب إسرائيل.
أما ثالث الدروس فكان إعطاء أولوية قصوي لدور الإعلام في الحفاظ أولا علي تماسك الجبهة الداخلية حول قرار الحرب وتأمين القبول الدولي للأهداف التي قامت من أجلها دون إهمال لضرورة اختراق المجتمعات العربية ودفعها للانقسام حول الحرب إن لم يكن القبول بها.
فإسرائيل التي استعدت جيدا لهذه الحرب, واتخذت قرارها منذ ستة أشهر حسب تأكيدات إسرائيلية ولم تكن تنتظر إلا ساعة الصفر التي تجعل الحرب مبررة, أعدت طاقما إعلاميا كبيرا استغرق تدريبه أشهر ليكون جاهزا للمعركة الإعلامية, وقد أوضح البروفيسور دوف شنعار المحاضر في جامعة بن جوريون في بئر السبع أن إسرائيل تعلمت من تجاربها السابقة واستخدمت العلاقات العامة, ووسائل الاتصالات للتوجه إلي الدبلوماسيين لتعريف العالم بأسباب الحملة العسكرية وتفاصيلها, وبدأت إسرائيل حملتها الاعلامية قبل أسابيع عدة بتأكيدها للسياسيين أن صبرها بدأ ينفد من هجمات حركة حماس علي المدنيين العزل, واستخدمت أفضل المتحدثين, باسمها للمعركة في وسائل الإعلام وعلي رأسهم رئيس الدولة شمعون بيريز ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني, وأنشأت منذ ثمانية أشهر هيئة للإعلام القومي لتوضيح خلفية الحملة العسكرية بالتعاون الوثيق مع سكرتير الحكومة عوفيد يحزقال ومع قوي الأمن المختلفة حسبما كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت, التي نقلت عن ياردن فتيكا رئيس هذه الهيئة قوله. حضرنا سلفا المواد الإعلامية التوضيحية والمقابلات والرسائل, وبات الموضوع الإعلامي يتوحد مع عملية اتخاذ القرار. كما كشفت الصحيفة أن الخارجية الإسرائيلية وزعت كراسا علي المتحدثين الإسرائيليين وطالبتهم الالتزام بالجمل التي وزعت عليهم والتي يجري تكرارها الآن علي لسانهم خاصة تحميل حماس مسئولية الحرب علي غزة.
هناك دروس أخري كثيرة استوعبها الإسرائيليون في هذه الحرب ومنها التمويه والتضليل علي لسان كبار المسئولين حول قرار الحرب علي غرار ما فعل مجلس الوزراء المصغر وعلي نحو ما فعلت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية, لكن أهم هذه الدروس هو تجنب تحديد هدف أو أهداف محددة للحرب علي غزة حتي لا يكون العجز عن تحقيقها إعلانا لفشل الحرب وتعريض القيادة السياسية والعسكرية للمساءلة والحساب داخليا, وخسارة إسرائيل ما يمكن أن تكون قد حصلت عليه من دعم وتأييد أو علي الأقل عدم ممانعة من جانب أطراف إقليمية ودولية.
فعلى العكس من حرب إسرائيل علي لبنان صيف2006 حرص كبار المسئولين علي عدم الحديث عن الأهداف الحقيقية واكتفوا بهدف غامض هو حماية جنوب إسرائيل من صواريخ حماس, لكن علي الجانب الآخر هناك تأكيدات وعلي لسان مسئولين ومحللين كشفت أن إسقاط حكم حماس في غزة, وفرض معادلة توازن قوي جديدة تسمح بسيطرة التيار الفلسطيني المعتدل علي كل مقاليد القرار السياسي دون عرقلة من المتطرفين, بحيث تستطيع إسرائيل فرض السلام الذي تريده, هي أهم الأهداف حسب ما أعلن حاييم رامون نائب رئيس الوزراء.
أراد القادة الإسرائيليون أن تبقي الحرب مفتوحة الأهداف حتي لا يتعرضوا للحساب أو المساءلة في حالة الفشل أو العجز عن تحقيقها أو تحقيق بعضها علي نحو ما حدث في الحرب علي لبنان. لكن إذا كانت الأهداف مفتوحة فإن النتائح ستبقي أيضا مفتوحة وغير محسومة ومعرضة لمفاجآت ربما لم ترد بخاطر الذين دبروا لهذه الحرب, وربما يحدث التغيير في موازين القوي علي الأقل علي المستوي الفلسطيني بين السلطة وحماس, لكن ليس شرطا ان يكون في الاتجاه الذي تريده أو تأمله اسرائيل, فالحرب مازالت مفتوحة ومليئة بالكثير من المفاجآت والتطورات التي قد لا ترضي اسرائيل بقدر ما ستربك حساباتها علي نحو مشابه لما حدث عقب حربها علي لبنان في صيف2006. واعتقد ان بعض بوادر هذا كله بدأت تلوح في الآفق بعد تزايد اعداد القتلي والجرحي من الاطفال والنساء عقب الاجتياح البري للقطاع, وبعد انكشاف اكذوبة الدعاية الاسرائيلية بأن الحرب هي علي حماس وانها حرب دفاعية, حيث يتأكد العالم الآن مع امتداد تدفق انهار الدم الفلسطينية بانها حرب عدوانية ومدبرة.